Monday, October 1, 2012

إنني قادم من جبل عامل ..

بسم الله قاصم الجبارين
بسم الله ناصر المستضعفين
بسم الله مذل المستکبرين

" إنني قادم من جبل عامل، حيث دعا الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري إلى الإسلام الصحيح هناك ولأول مرة، وبنى في تلك الديار مسجداً لعبادة الله الواحد…
إنني قادم من جبل عامل الذي عانى سكانه من الظلم طوال 1400 عام من تاريخ الإسلام.. إنني مندوب المحرومين في جنوب لبنان الذين يحترقون كل يوم بنيران المدفعية الثقيلة وقنابل الطائرات الإسرائيلية. لقد جئت من أرض أبيد أكثر من نصفها بشكل تام…
جئت لأرفع صرخة الشيعة اللبنانيين المدوية تحت سماء إيران العالية. إنني آهة اليتامى المعذبين الموجعة الذين يستيقظون من شدة الجوع عند انتصاف الليل بلا يد رحيمة تمسح عن قلوبهم العناء. إنهم يعيشون رهن الخوف من الظلمة والوحدة دون أن يجدوا صدراً دافئاً يأوون إليه. إنني أنة الفجر المنبجسة من صدور الأرامل المحترقة، مرفرفاً ذات اليمين وذات الشمال مع نسيم السحر بحثاً عن الأفئدة والضمائر الحية، وعندما يعروني التعب فأسقط يائساً خالي الوفاض من الأمل، أتحول إلى قطرة من الدموع تتساقط كالأنداء على حافة الأوراق .. " 




ولد الشهيد القائد مصطفى شمران عام (1933م) في مدينة قم، ثم ما لبث أن انتقلت عائلته إلى طهران للعيش فيها بعد عام واحد من مولده. وكان الشهيد القائد طفلاً محباً للعزلة غارقاً في التأمل والتفكر متجنباً للصخب والضجيج ومستغرقاً في مشاهدة جمال وجلال الطبيعة والوجود الإلهي.
في عام 1332هــ.ش التحق الشهيد القائد مصطفى شمران بالكلية الفنية في جامعة طهران وبدأ دراسته في قسم الهندسة الكهربائية، ولمّا كانت تلك الفترة متزامنة مع مرحلة الانقلاب فإنه اضطلع بالنشاط الواسع في النضال السياسي الشعبي والتظاهرات الخطيرة المناوئة للنظام الملكي.
لقد كنت أحيا حياة رغدة في أمريكا، وكنت أملك شتى الإمكانات، ولكني طلقت اللذائذ ثلاثاً وذهبت إلى جنوب لبنان حتى أعيش بين المحرومين والمستضعفين وأتذوق فقرهم وحرمانهم وافتح قلبي لاستقبال آلام وهموم هؤلاء البؤساء. لقد أردت أن أظل دائماً في مواجهة خطر الموت تحت القنابل الإسرائيلية، جاعلاً لذتي الوحيدة في البكاء وأنا أبث السماء أهاتي الحارقة في سكون الليل وظلمته، وحيث إنني عاجز عن مد يد العون لهؤلاء المظلومين المسحوقين فيمكن أن أواسيهم بالحياة بينهم كما يعيشون فاتحاً أبواب قلبي لاستقبال حزنهم وشقائهم. لقد أردت ألاّ أحشر في هذه الحياة الدنيا مع زمرة أولي النعمة والجائرين وألاّ أتنفس من أجوائهم وألاّ أقرب لذائذهم وألاّ أبيعهم علمي وفكري في مقابل حفنة من المال ولحظة من لذة الحياة".

ولأن الشهيد القائد جاء إلى لبنان بنية إقامة قواعد للجهاد، فإنه توجه منذ اللحظة الأولى إلى أقصى نقطة في الجنوب إلى قاعدة الإمام القائد السيد موسى الصدر مدينة "صور" وأخذ على عاتقه إدارة المدرسة الصناعية في مؤسسة جبل عامل ــ البرج الشمالي على بعد خمسة كيلومترات من "صور" بجوار المخيمات الفلسطينية. وكان اليتامى من أبناء الشيعة اللبنانيين يدرسون في هذه المدرسة، وهم الذين صاروا فيما بعد الكوادر الأصلية للخط الأول في المقاومة الشيعية ضد الكيان الصهيوني.

وفي المدرسة الصناعية لجبل عامل كان التلاميذ يدرسون العلوم ويتعرفون تكنولوجيا العصر ويتدربون في الورشات المختلفة التي بناها الشهيد شمران بنفسه، كما يؤدون فيها بعض الأعمال لسد حاجتهم المالية، مما كان سبباً في نمو تجربتهم العلمية. وكان هؤلاء الشباب هم الذين قاوموا ببسالة الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، ولاشك أن اسم هذه المدرسة وهؤلاء الشباب قد بات محفوراً على صفحات تاريخ الكفاح في لبنان كنموذج بارز للشجاعة والتضحية والإيمان.

ولأن هذه المدرسة كانت تقع بجوار المخيمات الفلسطينية مع وجود الأهداف المشتركة والشعور بالصداقة الحميمة من جانب الدكتور جمران، فإنها قدّمت خدمات جليلة لهذه المخيمات لدرجة أن منظمة الأمم المتحدة بعثت برسالة تقدير خاصة للدكتور الشهيد.

وفي لبنان كان سماحة القائد الإمام موسى الصدر قد بدا نشاطاته الثقافية والاجتماعية الواسعة منذ سنوات بغية إحقاق حقوق الشيعة المحرومين في لبنان وإعادة العزة والكرامة إليهم، حيث كانوا يخجلون في إظهار تشيعهم ويتقمصون شخصية أخرى بطرق ووسائل مختلفة من قبيل الزواج من غير الشيعة أو محاولة الحصول على بطاقة للعضوية في أحد الأحزاب اليسارية. وكان وجود شاب مثقف ومناضل وواعٍ ومنظم وجذاب كالدكتور شمران بجانب سماحة القائد الإمام موسى الصدر في مثل هذه الظروف من شأنه أن يؤدي دوراً مفعماً بالأمل والشجاعة والحركة على هذا الطريق الوعر المليء بالعقبات.
كان الشيعة هم الوحيدين في لبنان الذين يعيشون بيد عزلاء، فلم يكن باستطاعتهم الدفاع عن حقوقهم المستلبة، وذلك في وقت كان العدو الصهيوني قد ركز كل هجماته على المناطق المحرومة في الجنوب بشكل عام. وعلى هذا فقد تأسست "حركة أمل" المباركة المنبثقة عن "حركة المحرومين" التي كانت حركة شعبية مدافعة عن "المجلس الشيعي الأعلى". وكان الدكتور شمران من المؤسسين مع سماحة القائد المغيب .



يقول الدكتور شمران موضحاً بداية نشاطاته حتى تشكيل حركة أمل:

"كانت توجد مدرسة باسم مدرسة جبل عامل الصناعية في جنوب لبنان، وكانت تسمى أيضاً بالمدرسة المهنية، وقد أصبحت مديراً لهذه المدرسة الواقعة بجوار أحد المخيمات الفلسطينينة، وهو أكبر هذه المخيمات في جنوب لبنان... كما أسسنا أيضاً اتحادات إسلامية في لبنان على غرار الاتحادات الإسلامية الموجودة في أمريكا وأوربا. وكان الشباب الشيعة في لبنان من أفضل الشبان، حيث عملت معهم على المحور الايديولوجي لمدة عامين، وهو النشاط الذي تفتق عن تأسيس "حركة المحرومين" فيما بعد. أي أن هؤلاء الشباب كانوا هم العمود الفقري لحركة المحرومين الكبرى. وقد نظمت حركة المحرومين عدة تظاهرات واسعة، ومنها تظاهرات بعلبك التي شارك فيها خمسة وسبعون ألف شاب مسلح، وكذلك تظاهرات مدينة صور التي شارك فيها مائة وخمسون ألف مسلح، وأقسم فيها الشيعة اللبنانيون على مواصلة طريق الجهاد من أجل إحقاق حقوقهم المسلوبة حتى آخر قطرة من دمائهم. وهذا هو أحد نماذج النشاط السياسي لحركة المحرومين. وعندما تفجر الصراع في لبنان، وامتلأت الساحة بالمسلمين من شتى الاتجاهات، ولم يكن بوسع أية طائفة سوى التسلح حفاظاً على البقاء، فإن حركة المحرومين أقدمت على تشكيل حركة عسكرية باسم "أمل" التي كانت في الواقع هي الفرع العسكري لحركة المحرومين. وكنّا قد انتقينا أعضاء حركة أمل من بين أفضل الأشخاص كفاءة وتديناً من المتخرجين في دورة إعداد الكوادر. واستطيع أن أقول حقاً بان شباب حركة أمل هم الذين تعرف معظمهم الإسلام الصحيح وانطلقوا في جهادهم على هذا الأساس".

عاد الشهيد شمران الي إيران فعُيّن وزيراً للدفاع باقتراح من مجلس الثورة وأمر من الإمام الخميني (قده)، وذلك بتاريخ 16/8/1358. وكان أول شخص غير عسكري يتولى هذا المنصب.



وبعد تسلمه للمنصب الجديد، انخرط الشهيد شمران في إعداد سلسلة من البرامج الواسعة والتأسية أملاً في تبديل الجيش إلى مؤسسة ثورية متطورة. ومن أبرز تلك البرامج تنقية الجيش بناءً على أسس منطقية وصحيحة، وإقرار العلاقات العادلة والحميمة والقلبية القائمة على الترتيب والنظام، وصب الاهتمام على الصناعات والأبحاث الدفاعية ودفعها إلى الحركة والحيوية. وكان الاهتمام الخاص الذي يوليه الإمام الخميني (قده) والشعب للشهيد شمران فضلاً عن منصبه الرفيع وقدرته وكفاءته سبباً في إثارة التحركات الغامضة والمشبوهة الرامية إلى المساس بشخصيته الناصعة.

وباتت هذه الهجمات العدائية التي كانت تُشن ضده على صورة دعايات صحافية من الشدة بحيث أثرت حتى على بعض أصدقائه الجهلاء والتجمعات الإسلامية غير الواعية فراحوا يكررون هم أيضاً نفس هذه التهم والأكاذيب ببلادة تامة. وكان هؤلاء قد بدأوا حملتهم من لبنان وجعلوا من حادثة "تل الزعتر" مقمعة ينهالون بها على رأس كل من يدافع عنه. والمثير للدهشة أن غالبيتهم لم يكونوا يعرفون شيئاً عن تل الزعتر ولا عن حقيقة الامر. ثم ما لبثوا أن توسلوا بحادثة "قارنا" وتسليح اقطاعيي كردستان؛ وكانوا قد خططوا لترويج كل هذا الأكاذيب في كل مكان بحيث لا يجسر أحد على الاقتراب من مواقع الأزمة وإسداء النصح. كما أن بعض التنظيمات على غرار "پيكار" كانوا ينوون اغتياله ولكنهم فشلوا في مسعاهم.


استشهد إيرج رستمي قائد منطقة دهلاوية  فشعر الشهيد شمران بالألم المفجع جراء ذلك، ولكنه اختار قائداً آخر ليحل محل الشهيد رستمي في جبهة دهلاوية.

وكان الشهيد شمران قد وجه عدداً من الوصايا التي لا سابق لها إلى زملائه في آخر اجتماع لمقر الحروب غير المنظمة قبل رحيله إلى دهلاوية بليلة واحدة. ويقال إن الجميع كانوا يودّعونه لدى خروجه ثم شيعوه إلى مرمى البصر بعيون مغرورقة بالدموع.

وتحرك الشهيد شمران نحو سوسنگر، والتقى في الطريق بالمرحوم آية الله إشراقي والجنرال الشهيد فلاحي، فقبل أحدهم الآخر للمرة الأخيرة، ثم واصل طريقه حتى بلغ مذبح العشق. وكان كافة المقاتلين قد اجتمعوا في قناة خلف دهلاوية، فعزّاهم وبارك لهم استشهاد قائدهم إيرج رستمي، ثم قال لهم بصوت محزون ومختنق ونظرة عميقة سابحة في الضياء:

"لقد أحب الله رستمي فأخذه إليه، وسيأخذني إليه أيضاً إذا ما كان يحبني".


وانتهى كلامه؛ ثم ودع كافة المقاتلين وقبل ما بين أعينهم بعد أن قدم القائد الجديد لرفقاء الجهاد، ووقف على الخط الأمامي للجبهة عند أقرب نقطة للعدو خلف ساتر ترابي، وحذر المقاتلين بصفته قائداً محنّكاً يدرك القضايا والأمور المهمة في حينها بألاّ يتقدموا عن هذه النقطة لأن العدو يُرى بالعين المجردة، ولاشك أن العدو قد رآهم أيضاً. وانهمر سيل القذائف؛ وبينما كان يوجه إليهم أوامره بالتفرق وكان هو أيضاً متجهاً إلى أحد الملاجئ أصابته شظية في رأسه من الخلف، فارتفع صياح المحيطين به ممن شاهدوا ما حدث، وأوصلوه بسرعة إلى سيارة الاسعاف؛ وكان وجهه الملكوتي المبتسم بملامحه الواثقة والمخضب بالدم والتراب يتحدث إليهم بعمق، رغم أنّه لم ينبس ببنت شفة ولم ينظر إلى أحد.



وفي مستشفى سوسنگرد، الذي سمي فيما بعد بمستفى الشهيد شمران، قدمت له الاسعافات الأولية ثم اتجهت سيارة الاسعاف نحو الأهواز. وللأسف فإن جسده فقط هو الذي وصل إلى أهواز، بينما كانت روحه تحلّق في الملكوت الأعلى بكفنه المدمّى، الذي كان لباسه في القتال، ملبيةً نداء ربها {ارجعي إلى ربك راضية مرضية}.


من أروع ما قرأت من رثاء ونعي ومناجاة ،، ليخبره كيف جاء إلى لبنان وترك الغربة والعز ليعيش بين المحرومين المجاهدين الكادّين ..

أترككم مع
خطاب الدكتور مصطفى شمران أثناء دفن المجاهد الشهيد علي شريعتي



يا علي !
ظننت دائماً أنك سوف ترثيني على موتى ، وكم أنا متأثر أنى من أرثيك الآن!
ياعلي !
جئت لأنوح على حالنا المحزن ، فأنت أسمى ؛ أن تكون فى حاجة إلى بكائنا وتوسلنا.
ياعلي !
حينما عرفـتك ، وفتحت صحراءك ، واطلعت على اعماق روحك وقلبك ، وفيه ادركت شعورك الدفين – فقبله كنت أرى نفسي وحيدا ـ حتى أنى كنت اخجل من مشاعرى وافكارى .
وأحيانا على غير سجيتى كنت اخجل ، لكن حينما تعرفت عليك ابتعدت كل البعد عن الوحدة ، وصرت معك جليسا ومسرا.
ياعلي !
أنت عرفتنى بنفسي ، فكنت غريبا عنها ، فلم اكن ادرك كل جوانب جوهرى وروحى ، فأنت فتحت نافذة تجاهى ، وحملتنى على رؤية هذا البوستان المدهش ، وأظهرت لى قبائحه ومحاسنه.
ياعلي !
ربما تعجب لو اخبرتك : أن خلال الاسبوع الماض ، قد ذهبت لساحة معركة " بنت جبيل " ، وقضيت عدة أيام بمعاقل تل مسعود الأمامية ؛ بين مقاتلى حركة امل ، وحملت معى كتابا واحد ؛ كان كتابك ( الصحراء ) ، صحراء غنية بعالم الفكر والفيض ، صحراء رفعتنى الى السموات ، وواصلتنى بالازل والابد ، صحراء سمعت فيها نداء العدم ؛ فارتحت من وطأة وزخم الوجود ، فحلقت الى ملكوت السموات ، ووصلت لدرجة الوحدة والاتحاد فى عالم الوحدة.
صحراء أذابت جوهر وجودى ووضعتنى عاريا امام شمس الحقيقة المحرقة، وحرقت جميع الاكاذيب والزيف دخانا ، وعرضتنى فى مدبح العشق ، قرباناً لرب الكون .
ياعلي !
أذهب برفقتك للصحراء ، صحراء الوحدة ، تحت نار العشق المحرقة ، فى اعصار التاريخ الرهيب ، فأمواج الظلم والعسف فى بحر الحرمان والعذاب الـ غير منتهى تعصف بــهيكل سفينة حياتنا ووجودنا المتهدم .
ياعلي !
اذهب برفقتك للحج ، فافنى بين النشوة والشوق ، ويرتعد جسدى امام العظمة والجلال.
وأرى الله من نافذة عينك ، واحلق برفقة روحك العالية ؛ لأصل الى درجة الوحدة مع الله .
ياعلى !
انزل برفقتك الى قلب التاريخ ، فاتعلم طريقة ورسم العشق ، وأتمرس قدراً من العشق عند على العظيم ، حتى احترق من الرأس لأخمص القدم .
ياعلي !
اذهب برفقتك لرؤية حجرة فاطمة الصغيرة ، حجرة بالرغم من كل صغرها وبساطتها هى اعظم من الدنيا وكل التاريخ .
حجرة لها باب بمسجد النبى ، والنبى الاعظم قد باركها بنبوته ، حجرة صغيرة حوت فيها بمكان واحد : على وفاطمة وزينب وحسين .
حجرة صغيرة هى مظهر للعشق والفداء والايمان والاستقامة والشهادة .
حقا كم مثير للقلب ، انك اشرت هناك لفاطمة الصغيرة ، فهى تلاطف وجه ابيها العظيم الملطخ بالتراب بأيديها الصغيرة جداً ، فيحتضنها ويعليها.
ياعلي !
انت عرفتنى بابي ذر الغفارى ، واشرت الى مواجهات له بلارحمة ولاهوادة ضد الظلم والعسف ، فاظهرت شجاعته وصراحته وتقواه وايمانه ، وكم جميل انك صورت هذا الرجل العجوز حديدى الارادة .
فحينما اخذ بيده قطعة عظم وفركها على رأس ابن كعب ، وقطر الدم بالطريق ، فأننى اسمع صرخة صياح ابى ذر من حلقومك ، وأرى غضبه فى برق عيونك ، وأدرك صحراء " الربذة " المحترقة فى حرقتك واشتعالك ، فابو ذر بطل ملقى على رمال الحارة ، ويرحـل ويموت فى وحدة وفقر.
ياعلي !
انهض بصيحة غضبك الى حرب الاستعمار والاستبداد والاستحمار ، وافتح برفقتك التاريخ والعـن الفراعنة والقارونية والبلاعمة.
ياعلي !
انهض برفقتك فى طريق الله العظيم ؛ للجهاد والمجاهدة ، واتجهز باسلحة الشهادة.
ياعلى !
انت فى الدنيا المعاصرة ، دخلت فى حرب مع الشياطين والطواغيت ، وعارضت الذهب والزور والتزوير ، وصرت فى مواجهة مع ادعياء الدين ، وفى عداء المتغربين و تزوير التاريخ و خدعة العلم و سحر الفن .
فكل أولائك حاربوا ضدك ، لكنك بمعجزة الحق والايمان بالله وبتحمل وصبر البحر، وبثبات الجبل وبنصر الشهادة نهضت لمبارزة ارباب الذهب والظلم والتحريف ؛ فهزمت الجميع.
ياعلي !
متدينى التعصب والجهل ، طحنوك وحاربوك بحربة التفكير ، ولم يترفعوا أو يتهاونوا عن اية عداوة وإتهام ، المتغربون ايضا الذين سموا انفسهم بالباطل مفكرين ؛ اهانوك واتهموك بالرجعية .
ونظام الشاه أيضا لم يستطع تحمل وجودك ؛ رأى تنويرك ضد مصالحه ؛ فقيدك بالسلاسل وفى نهاية الأمر استشهدت.
- أحد الماركسيين المتشبهين بالثورية – قال فى جمع من اصدقاءه باوروبا : " إن الدكتورعلى شريعتى قد اخـر ثورة ايران الشيوعية 70 عام " وانا اقول أن الدكتور على شريعتى قدم مسيرة النضال التكاملية فى طريق الحق والعدالة 70 عام للامام .
يا علي !
انت اصبت مجتمع ايران بهزة ، فاظهرت للناس التشيع الحقيقى ، و اذقت لذة الشهادة لشيعة الحسين ، وحطمت صنم الجمود والتعصب والصمت ؛ فانت " بمثابة " تغيــــرعميق وواسع ظهر فى عصره ، فانت عزلت رب الذهب والظلم " عن عرشه " ، ودفعت الناس للمواجهة ضد هؤلاء.
انت مزقت قيود الاسـر الملتفة بالجهل والخداع والتحريف على يد وقدم الثورة الحسينية.
انت صرت صيحة ؛ صعدت باسم الاحتجاج من صدور المحرومين المتآوهين والمعذبين.
فدويت واعليت نداء وصيحة الحق والعدالة فى السماء والأرض.
ياعلي !
انت اظهرت مفهوم الاسلام الحقيقى فى معركة الحياة ، واثبت أفضليته بلاجدال فيه على المدارس الفكرية الاخرى . فانت عرفت بـاصالة الاسلام الثورية من تحت احجبة الجهل والالتزام الدينى ، وعرفت بالمسؤولية الاجتماعية.
وبينت معجزة الشهادة ، وحررت الانسان من تحت عبء اسر الجبر ، ومذلة الاستسلام .
انت حملت راية الرسالة العظمى على العاتق ، رسالة الانسانية ، الحق والعدالة ، الصراع مع الظلم والقهر ، الاسلام الحقيقى والتشيع الحسينى ، وآلاف المؤمنين الملتزمين والمسئولين التفوا حول رايتك.
وتصدوا لحرب بلاهوادة ، بعضهم انتشى شراب الشهادة ، واالبعض الاخر فى انتظار الشهادة يفتدون ويضحون .
ياعلي !
فى سجن ايران الكبير ، ليس هناك امكانية التنفس للاحرار ، وانت فتحت طاقة من الروح والايمان صوب عالم النجاة والحرية ؛ حتى يهرب الانسان من سجن المادة لقوة الروح ، وبيد الصراخ يمزق الحجاب المضطرب . ويحترق بنار العشق المحرقة جميع الكادحين والمحبطين والمهضومين والمحرومين والمفجوعين. وبحربة الشهادة تتمزق جميع قيود الاسر والمذلة الى الابد.
ياعلي !
فى تاريخ ايران المعاصر ؛ انت جمعت مصدق العظيم مع الخمينى رفيع المقام ، ومزجت بصيرة السياسي بروح العابد ، جهزت ثقافة تاريخنا القومى الثرى بعلم جديد وباساليب حديثة ، وبرأت الله سبحانه من الفلسفة الجافة ، واحضرته من السموات العالية والباردة الى القلب الدافئ والملئ بالحمى والتوهج. واخرجت الدين من عزلة المسجد. واستعملته فى ساحة الحياة لخدمة الناس . وابدا لم تضحى بمصلحة الحقيقة.
ياعلي !
يا مبعوث الحزن ، يابحر الالم ، لتتنزل رحمة الله الواسعة عليك سلاما.
فاننى اعتقد ان مقياس شخصية البشر بمقياس حزنهم وآلمهم ، واحسب ان الله العظيم يرحم عباده المخلصين والمتقين ، ويكافئهم بدلاً عن بحر الحزن وجبل الغم .
ياعلي !
اننى : انطحنت تحت جبل من الغم ، وغرقت فى بحر من الحزن ، وصبرى وصل الى النهاية ؛ لكنك اوصلت حزنى والمى بحزن والم علي الأكبر ، وهكذا اتصلت بما لايطاق ولا يتحمل ، فشعرت بالراحة والسكينة.
ياعلي !
اننى : احببت على الاكبر حبا فاق كل حد ، وحتى لو كان يجوزعشق غير ذات الله ، لكنت عشقته ، ولكن هذه المحبة كانت صامتة وخفية ، و نشأت من نسيج وذر وجودى ، ولكن لم اكن اعرف دليل نفسه ، لكنك عرفتنى بعلى ؛ فلم تطلعنى فقط بسيفه ذوالفقار وكلامه الحارق ؛ بل اطلعتنى بعشقه المشتعل ، وباحزانه والامه ووحدته وصبره ..

اننى تلذذت بالامس من " قوة " بتر سيف علي ، وكنت ادرك عظمته فى قدرته وكلامه ؛ لكن اليوم أشاهد عظمته فى عشقه وايمانه ، وفى عرفانه ووحدته ، وفى جبال حزنه وغمه ، وفى بحار آلامه . حينما قلبه المتألم يغلى ويفور ، و يبكى غزير الدمع.
فأنا اقرب للشعور بحاله اكثر من اى قياس . فمهما يتهمونه اكثر ، ومهما يسبون على اكثر ، ومهما يعذبون شيعته اشد واكثر ، فمحبتى واحترامى لعلى اشد واحر واعمق .
ياعلي !
انت عرفتنا بالحسين ، وعلمتنا رمز الشهادة ، و بينت ان من ادم حتى الحسين ، دائما كان الانسان يهدى رب الكون افضل نتاج عالم الخلق ؛ بعادة الفداء والقربان.
واثبت واظهرت ان الحسين وارث جميع البشرية السابقة ، ومظهر جميع تضحيات التاريخ ، وانه نتيجة مسيرة تكامل جميع البشرية ، و اجمل وافضل واهم هدية قدمها الانسان لرب الكون .
وسعدت ان رداء مصيره قد حيك رداءً بالحزن والالم ، وقد اشبع بالدمع والدم ، ولمصيبة وفاجعة الزمان التى أصابت شيعة لبنان المظلومين والمهضومين – افترش على بساط الوجود - ثم اجمع فيه عذابات وآلام معذبى التاريخ ،وفى نفس الحين احضر على شريعتى للشفاعة ؛ لتنفتح طاقة بحجرة فاطمة الصغيرة ، فيتمزج هذا الوادى " لبنان الجريح أثناء الحرب مع اسرائيل " الملطخ بالدماء والدمع ؛ بالرسالة المحمدية ، ويمتزج بعشق وفداء والم وحزن ووحدة على ، ويمتزج شهادة الحسين. ، وببركة هذه الحجرة الصغيرة ؛ التى هى اعظم من كل التاريخ وكل العالم ؛ يقبل الله العظيم أضاحينا ، ولايضيع هباءً فدائينا فى تحقيق العدل والعدالة.، ونصمد فى هذا الطريق الحسينى ؛ ويظهر حزننا والامنا ودموعنا وحرماننا ووحدتنا ودماءنا ؛ متاع لطريقنا الصعب والخطر فى مسيرة ارتقاء الانسان نحو الله تعالى .
وانت ياربنا العظيم ، منحتنا على حتى يعلمنا طريق وطريقة العشق والفداء ، كشمعة تحترق لتنير طريقنا ، وهانحن ، نقدمه لك ؛ باسم افضل واثمن هدايانا ، ليستريح فى ملكوتك الاعلى ، وتبدأ حياته الخالدة .
ياعلي !
قد وجدت حياة الخلود ، ونحن كنا نتحرك امواتا ، حتى نجد الحياة من فيض وجودك.
فبحق الحزن ؛ الذى ردحا من الزمان سيلاطم موج بحر الحزن فيه على قلبى ؛ انت ياعلى حى وخالد فى قلبى .
وبحق العشق الذى كثيرا ما سيحرق ويفجر ويفور قلبى المشتعل ، انت ياعلى تحيا فى قلبى ، وتجرى وله وجذبة العشق السماوى فى شرايين وجودى ، وتحيي حياتى من العشق والفداء .
وبحق الوحدة التى هى نتاج العظمة والعشق والتفرد ، ومولود اللطافة والاخلاص والعرفان - فطالما الله واحد ، فانت ياعلى موجود فى وحدتنا.
وبحق الجمال ، طالما يوجد الاحساس واللطف والذوق لعشق الجمال - الذى هو تجلى الله الاعلى ، انت ياعلى لديك حضور فى جمال النجوم ، وعظمة السماء ، وخفقان الاوراق ، وتسبيح الصخور، وايات الغروب العجيبة ، وعظمة وهيبة الشروق .
وبحق آنين المتألمين وآهات الفقراء ، ودمع اليتماء ، فطالما للاستعمار والاستبداد والاستغلال وجود. ، فانت ياعلى حى فى غضبة وصيحة المسلوبين والمحرومين.
وبحق العدل والعدالة ، فانت تزأر وتثور فى صراخ المظلومين ضد الظالمين ؛ طالما الظلم والقهر يثقل على عاتق البشرية.
وبحق الشهادة ، طالما الشهداء يضحون ، ويقدمون حياتهم ووجودهم فداء فى مذبح العشق ، انت ياعلى شاهد وشهيد على شهادتهم الزكية.


الفاتحة لروحه الطاهرة



Sunday, September 23, 2012

الحرب النفسية : سبل المواجهة

بسم الله قاصم الجبارين
بسم الله ناصر المستضعفين
بــســم الله مـذل المستـکبـريـن




سماحة السيّد حسن نصر الله


كيف نواجه الحرب النفسية التي يشنّها العدوعلينا، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى بثِّ الرعب في الفريق الآخر وإخافته ما يؤدِّي إلى استسلامه أو انسحابه؟‏
نحن في لبنان وفلسطين وفي أمَّتنا عموماً نحتاج إلى مواجهة الحرب النفسية التي يشنّها العدو علينا كما نواجه الحرب العسكرية. أن نواجه الحرب النفسية بأدوات ووسائل وأساليب مشابهة ومبتكرة وأحياناً تكون منسجمة معقيمنا وثقافتنا وأخلاقنا وضوابطنا الشرعية.


الحرب النفسية المضادة‏


في مواجهة الحرب النفسية هدفنا الأول هو تثبيت إرادة وقوة وقدرة شعوبنا وأهلنا من خلال منع الحرب النفسية التي يشنها العدو منتحقيق أهدافها، وفي المقابل نتولَّى الحرب النفسية المضادة على العدو ومؤسساته الأمنية والعسكرية وعلى كيانه ومجتمعه أيضاً لنقلب فيها السحر على الساحر؛ وهذا أمرطبيعي، فالله سبحـانه وتعالى يأمر المؤمنين بـأن يعـــدّوا العـدّة، {وَأَعِدُّواْلَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِعَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال:60). وكما يعمل هذا العدو على إخافتنا وإرعابنا يجب أن نعمل في المقابل على إخافته وإرعابه وإقناع مجتمعه بضعفه وعلى إيجاد الشك والترديد تجاه جيشه وقيادته.‏
في حرب تموز عام 2006 (وخلال 33 يوماً), هجرالمستعمرات والمستوطنات والمدن في شمال فلسطين المحتلة وبعض الوسط أكثر من مليوني إسرائيلي وعاشوا في الملاجئ أو خارج بيوتهم ومنازلهم. وهذا لا سابقة له في تاريخ الحروب الإسرائيلية-العربية. خلال ثلاثة وثلاثين يوماً شاهد الإسرائيليون بأمِّ العين الدبابات المدمَّرة والجنود المقتولين، والعائدين في مظهر محزن ومبكٍ. في نهاية المطاف تراجعت ثقة الشعب الإسرائيلي بقيادته السياسية، بمؤسَّسته العسكرية وبجيشه وتعرَّضت لانتكاسة كبيرة جداً.‏




المدرسة الإلهية‏


إنَّ الحرب النفسية اليوم باتت علماً واختصاصاً يدرّس في الكليات والجامعات, لكن المقاومة لم تدرسها خلال كلِّ السنوات الماضية فيأي جامعة أو كلية، بل كانت تشنُّ حربها النفسية الإعلامية ببركة التعليم والتسديد الإلهي. فالله وعد المجاهدين بأن يعلّمهم ويسدّدهم وأن يهديهم سبله, وكان ذلك أيضاً نتيجة العودة إلى إيماننا، وإلى قرآننا، وإلى معتقداتنا التي تعلّمنا منها الكثيرالكثير والتي نستطيع أن نواجه بها أعتى الحروب النفسية طوال التاريخ.‏
ما يدرّس في الجامعات وفي الكليات هو غالباً يعتمد على مدرسة الماديين الذين يتحدَّثون عن وسائل وأدوات في مواجهة الحرب النفسية من سنخ الحرب التي يشنها العدو, وهذا الذي كان سائداً بين أكبر معسكرين في العالم في الآونة الأخيرة, المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والمعسكرالشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي سابقاً.‏
التجربة الإسلامية، وتجربة الثورة الإسلامية في إيران بقيادة سماحة الإمام الخميني {قد}، والصحوة الإسلامية والحركات الإسلامية في المنطقة أعادت إحياء نوع آخر من الحرب النفسية لا يستند إلى المدرسة المادية وإنَّما يستند إلى المدرسة الإلهية, إلى المدرسة القرآنية. هذه التجربة كانت هي الأنفع والأقوى والأجدى. انطلاقاً من هذا الفهم وبناء على هذه الخلفية, هناك مجموعة من العناوين نركز على ثلاثة منها:‏

1-الإيمان بالله و التوکل علیه
نحن نؤمن بأنَّ الله سبحانه وتعالى موجود وقادروبيده ملكوت السماوات والأرض، وهو على كلِّ شيء قدير وبأنَّه سبحانه وتعالى ليس حيادياً بل نعتقد أنَّ كلَّ ما يجري في هذا الوجود حتى أبسط الأمور وأصغر الأشياء إنَّما هو خاضع ومتحقِّق بمشيئة الله سبحانه وتعالى {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنيَشَاء اللَّهُ} (الإنسان:30), وأنَّ الله سبحانه وتعالى فعّال رزّاق هو الذي يميت ويحيي وهو الذي يحفظ هذا الوجود: السماوات والأرض لو تركها الله سبحانه وتعالى لانعدمت وانهارت...
لذا فنحن نستعين ونستغيث حتى يثبتنا ويقوينا.‏


2-البصيرة
وهذا العنوان أشار إليه سماحة السيد القائد(دام ظله)، ويقصد به أنَّ على النخب والخواص, الناس والشعوب والمثقفين, والمجاهدين الكبار والصغار, أن يكونوا أهل بصيرة. البصر ما يراه الإنسان بالعين, والبصيرة هيقدرة العقل والقلب والروح على الرؤية ومعرفة الحقيقة, ومن جملة عناوين البصيرة أنيكون لدينا معرفة بزماننا وعصرنا، المعرفة بالعدو والصديق حتى لا يشتبه علينا العدو ولا الصديق, فلا نقاتل الصديق ولا نتجاهل العدو بل نستعين بالصديق في مواجهة العدو, فهذا من البصيرة, ومنها أيضاً أن نعرف نقاط ضعفنا وقوتنا, فنعمل على إبراز نقاطقوتنا لشعوبنا ولعدونا, لشعوبنا حتَى تثق، ولعدونا حتى ييأس من النيل منا، ومعرفة نقاط ضعفنا لنعالجها وننتهي منها. أيضاً أن نعرف ما نريد وكيف نصل إلى ما نريد، وأيضاً أن نعرف أهداف عدوّنا لنعطّل مخطّطاته ومؤامراته، فهذا أيضاً من البصيرة, ولذلك أهم شيء أن يكون، لدى أي شعب من الشعوب وخصوصاً لدى الشعوب المؤمنة، أن يكون لديها بصيرة, ليس فقط على مستوى القيادات, بل القيادات والعلماء والنخب وعامة الناس أيضاً. الإسرائيلي كان يقول إنه «يخوض حرب كيّ الوعي لدى العرب والمسلمين». في المقابل المقاومة جاءت لتخوض حرب كي الوعي لدى مجتمع العدو وقادة العدو وجيش العدو. إذاً من كانت بصيرته معه وكان إيمانه ويقينه معه لا يتزلزل, وهو أمر مغاير لموضوع التثبيت الإلهي والعون الإلهي. عندما يوجد أناس لديهم إيمان ووعي ومعرفة وبصيرة فليقل الأعداء ما يريدون وليكذِّبوا ما يشاؤون فهم لن يستطيعوا أن يمسّوا إرادةوعزيمة أهل البصائر والمعرفة والوعي.‏

3-التثبت
هو من الاحتياطات التي أتى بها الإسلام. فبالإضافة إلى اللجوء إلى الله والى أن نكون من أهل البصيرة دعانا أيضاً إلى أننكون من أهل التثبّت. فبعدما تكلمنا عن موضوع إيجاد الشك والارتباك والترديد, جاء نوع من الحصانة، الله سبحانه وتعالى يقول {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍفَتَبَيَّنُوا} (الحجرات:6). الفاسق ليس فقط الإنسان الذي ينقل خبراً, بل هناك أيضاًوسيلة إعلام غير موثوقة ومعادية, فهذه أيضاً تأتينا بنبأ, وهذه الأنباء التي تأتينابها وسائل الإعلام لتخيفنا، تكبّر لنا العدو لكي تجعلنا نيأس أو لتمسّ رموزنا وقياداتنا وأفكارنا وثقافتنا وخياراتنا, كما تجرى محاولات التشويه الكثيرة لحركات المقاومة ولكثير من القيادات والرموز والعلماء والمراجع والجهات والقيادات السياسية في هذه الأمة من خلال ترويج شائعات وأكاذيب واتهامات. الله سبحانه وتعالى يقول تبيّنوا وتثبّتوا إن كان ما يقولونه صحيحاً أو لا, بالحد الأدنى أن نواجه كل مايقال ويستهدفنا بالشك فيما يقال لا بالشكّ فيما نؤمن وفيما نعتقد وفيما نعرف.‏




تجربة تموز... الامتحان العملي‏
في حرب تموز, عشنا كلّ ما تكلمنا عنه في التجربة وليس فقط في النظريات. في تجربة لبنان خاض الإسرائيلي حرباً نفسية لمدة سبعة وعشرين عاماً ضد هذه المقاومة ومجتمعها وأهلها وشعبها. لم يترك شيئاً للنيل من إرادتهم وعزمهم وإيمانهم وثقتهم. وكل ما يمكن القيام به في إطار الحرب النفسية طبّقوه في حرب تموز. لكن في المقابل ماذا كان المشهد؟ هل وجدنا وشهدنا هروباً للمجاهدين من ساحات المعركة؟ أبداً فقد قال الإسرائيليون أنفسهم إنهم في بنت جبيل حاصروا المدينة وفتحوا باباً لكي يهرب المقاتلون منه فتحوّل هذا الباب إلى مدد للمقاتلين. هناك بعض القراءات العسكرية تقول إنَّ حجم استخدام سلاح الجو والقص فالجوي والنيران التي ألقاها سلاح الجو خلال 33 يوماً على هذه البقعة الصغيرة من لبنان يفوق ما استخدمه سلاح الجو من طائرات ومن نار في بعض الحروب الكبيرة, لكن المؤمنين والمجاهدين لم يخافوا، ولم يتزعزعوا وبقوا في الأرض يقاتلون ليس في القرى الخلفية, بل في القرى الحدودية. هذا كان حال المجاهدين في الجنوب والبقاع وفي كل المناطق التي تعرضت للقصف وللمواجهة والانزالات, أما بالنسبة للناس, فكم مرة جاء توسائل الإعلام لتأخذ من الناس المهجّرين موقفاً أو كلمة تثبّط العزائم أو تمسّمعنويات المقاومين ولم يتمكنّوا؟ خلال 33 يوماً كان الناس المهجَّرون يشاهدون على التلفاز أن بيوتهم تهدّم، وهم لا يعرفون إذا ما رجعوا إلى قراهم هل ستكون بيوتهم موجودة أم مهدومة, وهل أن أبناءهم أحياء أم شهداء ومع ذلك لم يتكلموا بكلمة تمس بمعنويات المقاومة, أليس شيئاً عظيماً, هذا الثبات والطمأنينة والسكينة؟‏
خلال ثلاثة وثلاثين يوماً كان المجاهدون ينامون تحت النار، الله كان ينزل عليهم النعاس أمنة. في حرب تموز كما في كل المواجهات التي سبقت عملنا بالبند الأول, لجأنا إلى الله, استغثنا به تعالى فثبّت قلوبنا وأنزل علينا النعاس والسكينة والطمأنينة وفي المقابل ألقى الرعب في قلوب أعدائنا. أربعون ألف ضابط وجندي يمشون في أرضنا وهم يتعثرون مع دباباتهم ومروحياتهم وطائرات استطلاعهم, ولم يقدروا على أن يحققوا أي انجاز, وكنا نشهد الرعب في وجوههم والارتباك لدى ضباطهم وقياداتهم, من الذي فعل ذلك؟ الله سبحانه وتعالى هو الذي فعل ذلك, ولذلك عندما نذهب إلى ما يهددوننا به في مستقبل الأيام أو السنين القادمة, نقول إننا من خلال هذه التجربة, من خلال هذا الإيمان وهذه المعرفة وهذا الاعتقاد الإلهي النبوي والقرآني, سنواجه كل أشكال الحروب النفسية التي واجهناها في السابق وانتصرنا فيها وهكذا سيكون حالنا إن شاء الله كأصحاب الحسين, الذين لم يُخِفهم عشرات الآلاف من الذين كانوا يحيطون بهم, فلم ينهزموا ولم يترددوا ولم ينسحبوا ولميهربوا.


Sunday, September 2, 2012

قصه أوصى السيد حسن نصر الله بنشرها

بدا نهر مليخ كقطعة من الزجاج بعد أن تجمّدت مياهه. عند الشفق كانت ثلاث مجموعات من المقاومة تستعد للعبور بمحاذاته باتجاه موقع بئر كلاب.إجتازت المجموعة الأولى المؤلّفة من عشرة أفراد بسلام و المجموعة الثانية مؤلفة من عشرة أيضاً وفيما كانت المجموعة الثالثة المؤلفة من عشرة آخرين تمرّ بجانب النّهر فقام شاب من المقاومة بالصعود على حائط من الحجارة فسقط الحائط كشفتها آلة العدو.فأطلقت أول قذيفة إخترقت جسد الشاب فسقط نصف جسده في النهر الشتوي المار في الوادي و أصبحوا تحت مرمى نيرانه.
 تعرّض المجاهدون لقصف عنيف. و مع إكتمال المغيب كانت أجساد الشهداء مطروحة فوق الثرى و أنّات الجرحى تتردّد في الأجواء.
أصيب أبو حسن إصابة لم تمنعه من تفقد ر فاقه واحداً واحداً .كميل,جواد,حبيب,حسين..كلّهم كانوا قد استشهدوا و فارقوا هذا العالم . بعيداً عن النّهر رأى عماد.. .صديقه الذي تزوّج منذ عشر سنوات و لم يرزق حتّى تلك اللحظة بولد.اقترب ابو حسن منه وكان لا يزال به رمق من حياة. فبادره عماد قائلاً :"قل لزوجتي :عماد لم يمت, بل لا زلت في أحشائها ". و كانت هذه آخر كلماته.
كان أبو حسن مثخناً بالجراح . وقد بدأ يشعر بالإعياء .لكنّه صمّم أن يتفقّد الجميع فربما ينقذ أحدهم . التفت ناحية النّهر الأخرى فأبصر أحمد!! لقد بترت ساقه و رغم أنّ الدّماء كانت تسيل من كلّ جرح فيه كان يزحف باتجاه إحدى الشجرات . وما إن وصل حتّى تشبّث بها و بدأ يتلو زيارة عاشوراء بصوت شجيّ. أنصت أبو حسن ...لم يسمع أروع من ذلك الصوت في حياته . كان أحمد فتى مدللاً لم يبلغ السابعة عشرة من عمره. لكنّه في تلك اللحظات كان ينزف بشدّة . وشعر على إثر ذلك بعطش بالغ . فطلب من أبي حسن أن يحضر له بعض الماء . و لكن من أين يأتي أخوه بالماء و كل ما حولهم متجمّد من شدّة الصقيع ؟ ازداد إعياء أحمد حتّى أغمي عليه. لكنّه سرعان ما استفاق و شرع يقرأ زيارة آل ياسين .
في هذه الأثناء أقبل نحوهما ضبع فاحتار أبو حسن وخشي إن هو أطلق النّار عليه أن يكشف أمرهم فيجهز الصهاينة على من تبقى حيّاً فيهم. و في المقابل ماذا لو ترك الضبع و شأنه فأقدم في نهش أجساد الشهداء؟؟!!..في غمرة حيرته شاهد منظراً أثار عجبه . راح الضبع ينتقل بين الشهداء و يتمرّغ بأجسادهم و يتمسّح بدمائهم و وبدا أن الدموع تنهمر من مقلتيه.
تيقّن أبو حسن أنّه لم يعد من أحد على قيد الحياة باستثنائه هو و أحمد فحمله على ظهره رغم جراحه و تعبه و توجّه إلى بيت مهجور كان يعلم بوجوده مسبقاً في تلك المنطقة . عندما دخل إلى المنزل كان التّعب قد أخذ منه كلّ مأخذ فأغمي عليه . و إذ به يستفيق بعد مدّة على صوت أحمد و قد غرقت عيناه بالعبرات و ابتلّت و جنتاه و كان يردّد باكياً: إني أراهم ... ها هم آتون لاصطحابي . ثم و على الرّغم من بتر ساقه وقف قرب الباب بمفرده و قال بصوت عال : السلام عليك يا أبا عبد الله.
كان واضحاً بالنسبة لأبي حسن أن أحمد يتكلّم مع أناس آخرين لم يتمكّن هو من رؤيتهم . تبسّم أحمد و تطلّع إلى أبي حسن : إنّهم الإمام الحسين و أبو الفضل العبّاس و السيدة زينب . وقد حمّلني الإمام الحسين رسالة عليك أن تبلّغها بدورك إلى شباب المقاومة ... قل لهم : إنّ الحسين و زينب و العبّاس معهم في كلّ عملية .
مضت السّاعات مسرعة و كان التّعب قد استبد بالشابين فأغمي عليهما مجدداً . استفاق أبو حسن و أدار طرفه ناحية أحمد , رآه لا يزال مستلقياً و يسلّم على إمام الزمان .
كانت نظراته ساهمة وصوته واهنا: " بعد لحظات سأرحل عن هذه الدّنيا شهيدا, و ستحدّث أنت بكل الذي جرى , ستخبر الأخيار عن فتية قضوا نحبهم محتسبين عند الله أجرهم , ولاحت لهم مقاماتهم كما لاحت لأصحاب الحسين في عاشوراء. فتيه فازوا بلقاء الله على ضفاف نهر مليخ . و ستنقل رسالة من الإمام المهدي(عج) لسماحة الأمين العام..."
توقّف أحمد قليلاً . كان وجهه يشعّ نوراً ... ثمّ أضاف:" أثناء عودتك ستضلّ الطريق لكن ثمّة دليل سيظهر و يرشدك حتّى مشارف القرية. هناك ستكون مجموعة من المقاومين بانتظارك و سينقلونك إلى المستشفى...." راح صوته يزداد تأثّراً . حاول أبو حسن أن يثنيه عن الكلام لكن أحمد أبى . و تابع و قد تغيّرت نبرته و بدت أكثر رقّة :"أوّل شخص ستشاهده في المستشفى هي أمّي. أبلغها سلامي . وقل لها أن لا تقلق لأن الزهراء(ع) ستتكفّل بها ".
ثمّ زفر أنفاسه الأخيرة... حينها أطلق أبو حسن صرخة مدويّة تردّد صداها في الوادي . هزّه بعنف :" أحمد .. أجبني.. أحمد.." ضمّ الجسد المسجّى إلى صدره ... وضع خدّه على خدِّه ... وراح يمسح جبينه ... مكث هناك للحظات يكفكف دموعه و يحبس آهاته... ثمّ قام يتلمّس طريق العودة.
 كان الليل قد أظلم و اختفت معالم المكان من حوله.. فضلاً عن الإعياء الذي ألمّ به. شعر كأنّه يسير في متاهة . أمسى يترقّب الدليل الذي أخبره عنه أحمد قبيل إستشهاده . فجأة لاح أمام ناظريه خيال ضبع.. إنّه الضّبع عينه الذي سبق ورآه ! أدرك أنّه هو الدّليل. فسار خلفه . و عندما وصل إلى مشارف القرية تلقّفته مجموعة من المجاهدين و مضوا به إلى المستشفى .
ما إن فتح عينيه ... شاهد في المستشفى امرأة تقف بالقرب من السرير ... كان وجهها مشرقاً.. و على الفور بادرته السؤال : ماذا أوصاك أحمد؟! دُهِش أبو حسن إذ لم يكن قصّ بعد ما حصل معه على أحد.
بعد أن تعافى نهض ليوصل بقية الرّسائل إلى أصحابها فزار في البدء زوجة الشهيد عماد..عندما التقى بها فيما بعد ... كانت تحمل بين يديها طفلها عماد الصغير.
ثم توجّه ليقابل سماحة السيد. استحوذت عليه هيبة اللقاء فلم يستطع أن يتطلّع إلى وجه الأمين العام الذي أنصت إلى حكاية أبي حسن دون أن يتوقّف سيل الدّموع من الجريان على خدّيه..لكنّه في كلّ مرّة تخون أبي حسن ذاكرته كان يتدخّل سماحة السيّد ليذكّره ببعض التفاصيل التي غابت عنه..كما لو كان حاضراً!!
لاحقاً تحقّق الذي أخبره به أحمد .. وكان من جملته مجموعة من المعلومات الأمنية و العسكرية استفادت منها المقاومة في عمليات لا حقة ضد الصهاينة .. ولا زال أبو حسن يحكي قصة التسعة من أصحابه الشهداء.. ويقول: ليتني استشهدت معهم... هم وصلوا, وكان عليّ أنا أن أبلّغ حكايتهم ووصيتهم... أسأل الله أن يجمعني بهم
الشهید محمد أحمد سرور - الشهيد سامي قبيسي - الشهید فؤاد خليفة  
 
الشهيد مازن المقدم - الشهيد علي يزبک - الشهيد حسن حلّاق


الشهيد حسين موسي - الشهيد جهاد کرکي - الشهيد حسين مرتضي


الشهيد سميح مشيک - الشهيد البطل أحـمـد يـزبـک

قصة شهداء عملية مليخ بصوت " أبو حسن " الشهيد الحي المبتقي منهم 

http://www.mediafire.com/?6ww5m4lwyamt3d5 

مسرحية أريج الشهادة