Monday, October 1, 2012

إنني قادم من جبل عامل ..

بسم الله قاصم الجبارين
بسم الله ناصر المستضعفين
بسم الله مذل المستکبرين

" إنني قادم من جبل عامل، حيث دعا الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري إلى الإسلام الصحيح هناك ولأول مرة، وبنى في تلك الديار مسجداً لعبادة الله الواحد…
إنني قادم من جبل عامل الذي عانى سكانه من الظلم طوال 1400 عام من تاريخ الإسلام.. إنني مندوب المحرومين في جنوب لبنان الذين يحترقون كل يوم بنيران المدفعية الثقيلة وقنابل الطائرات الإسرائيلية. لقد جئت من أرض أبيد أكثر من نصفها بشكل تام…
جئت لأرفع صرخة الشيعة اللبنانيين المدوية تحت سماء إيران العالية. إنني آهة اليتامى المعذبين الموجعة الذين يستيقظون من شدة الجوع عند انتصاف الليل بلا يد رحيمة تمسح عن قلوبهم العناء. إنهم يعيشون رهن الخوف من الظلمة والوحدة دون أن يجدوا صدراً دافئاً يأوون إليه. إنني أنة الفجر المنبجسة من صدور الأرامل المحترقة، مرفرفاً ذات اليمين وذات الشمال مع نسيم السحر بحثاً عن الأفئدة والضمائر الحية، وعندما يعروني التعب فأسقط يائساً خالي الوفاض من الأمل، أتحول إلى قطرة من الدموع تتساقط كالأنداء على حافة الأوراق .. " 




ولد الشهيد القائد مصطفى شمران عام (1933م) في مدينة قم، ثم ما لبث أن انتقلت عائلته إلى طهران للعيش فيها بعد عام واحد من مولده. وكان الشهيد القائد طفلاً محباً للعزلة غارقاً في التأمل والتفكر متجنباً للصخب والضجيج ومستغرقاً في مشاهدة جمال وجلال الطبيعة والوجود الإلهي.
في عام 1332هــ.ش التحق الشهيد القائد مصطفى شمران بالكلية الفنية في جامعة طهران وبدأ دراسته في قسم الهندسة الكهربائية، ولمّا كانت تلك الفترة متزامنة مع مرحلة الانقلاب فإنه اضطلع بالنشاط الواسع في النضال السياسي الشعبي والتظاهرات الخطيرة المناوئة للنظام الملكي.
لقد كنت أحيا حياة رغدة في أمريكا، وكنت أملك شتى الإمكانات، ولكني طلقت اللذائذ ثلاثاً وذهبت إلى جنوب لبنان حتى أعيش بين المحرومين والمستضعفين وأتذوق فقرهم وحرمانهم وافتح قلبي لاستقبال آلام وهموم هؤلاء البؤساء. لقد أردت أن أظل دائماً في مواجهة خطر الموت تحت القنابل الإسرائيلية، جاعلاً لذتي الوحيدة في البكاء وأنا أبث السماء أهاتي الحارقة في سكون الليل وظلمته، وحيث إنني عاجز عن مد يد العون لهؤلاء المظلومين المسحوقين فيمكن أن أواسيهم بالحياة بينهم كما يعيشون فاتحاً أبواب قلبي لاستقبال حزنهم وشقائهم. لقد أردت ألاّ أحشر في هذه الحياة الدنيا مع زمرة أولي النعمة والجائرين وألاّ أتنفس من أجوائهم وألاّ أقرب لذائذهم وألاّ أبيعهم علمي وفكري في مقابل حفنة من المال ولحظة من لذة الحياة".

ولأن الشهيد القائد جاء إلى لبنان بنية إقامة قواعد للجهاد، فإنه توجه منذ اللحظة الأولى إلى أقصى نقطة في الجنوب إلى قاعدة الإمام القائد السيد موسى الصدر مدينة "صور" وأخذ على عاتقه إدارة المدرسة الصناعية في مؤسسة جبل عامل ــ البرج الشمالي على بعد خمسة كيلومترات من "صور" بجوار المخيمات الفلسطينية. وكان اليتامى من أبناء الشيعة اللبنانيين يدرسون في هذه المدرسة، وهم الذين صاروا فيما بعد الكوادر الأصلية للخط الأول في المقاومة الشيعية ضد الكيان الصهيوني.

وفي المدرسة الصناعية لجبل عامل كان التلاميذ يدرسون العلوم ويتعرفون تكنولوجيا العصر ويتدربون في الورشات المختلفة التي بناها الشهيد شمران بنفسه، كما يؤدون فيها بعض الأعمال لسد حاجتهم المالية، مما كان سبباً في نمو تجربتهم العلمية. وكان هؤلاء الشباب هم الذين قاوموا ببسالة الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، ولاشك أن اسم هذه المدرسة وهؤلاء الشباب قد بات محفوراً على صفحات تاريخ الكفاح في لبنان كنموذج بارز للشجاعة والتضحية والإيمان.

ولأن هذه المدرسة كانت تقع بجوار المخيمات الفلسطينية مع وجود الأهداف المشتركة والشعور بالصداقة الحميمة من جانب الدكتور جمران، فإنها قدّمت خدمات جليلة لهذه المخيمات لدرجة أن منظمة الأمم المتحدة بعثت برسالة تقدير خاصة للدكتور الشهيد.

وفي لبنان كان سماحة القائد الإمام موسى الصدر قد بدا نشاطاته الثقافية والاجتماعية الواسعة منذ سنوات بغية إحقاق حقوق الشيعة المحرومين في لبنان وإعادة العزة والكرامة إليهم، حيث كانوا يخجلون في إظهار تشيعهم ويتقمصون شخصية أخرى بطرق ووسائل مختلفة من قبيل الزواج من غير الشيعة أو محاولة الحصول على بطاقة للعضوية في أحد الأحزاب اليسارية. وكان وجود شاب مثقف ومناضل وواعٍ ومنظم وجذاب كالدكتور شمران بجانب سماحة القائد الإمام موسى الصدر في مثل هذه الظروف من شأنه أن يؤدي دوراً مفعماً بالأمل والشجاعة والحركة على هذا الطريق الوعر المليء بالعقبات.
كان الشيعة هم الوحيدين في لبنان الذين يعيشون بيد عزلاء، فلم يكن باستطاعتهم الدفاع عن حقوقهم المستلبة، وذلك في وقت كان العدو الصهيوني قد ركز كل هجماته على المناطق المحرومة في الجنوب بشكل عام. وعلى هذا فقد تأسست "حركة أمل" المباركة المنبثقة عن "حركة المحرومين" التي كانت حركة شعبية مدافعة عن "المجلس الشيعي الأعلى". وكان الدكتور شمران من المؤسسين مع سماحة القائد المغيب .



يقول الدكتور شمران موضحاً بداية نشاطاته حتى تشكيل حركة أمل:

"كانت توجد مدرسة باسم مدرسة جبل عامل الصناعية في جنوب لبنان، وكانت تسمى أيضاً بالمدرسة المهنية، وقد أصبحت مديراً لهذه المدرسة الواقعة بجوار أحد المخيمات الفلسطينينة، وهو أكبر هذه المخيمات في جنوب لبنان... كما أسسنا أيضاً اتحادات إسلامية في لبنان على غرار الاتحادات الإسلامية الموجودة في أمريكا وأوربا. وكان الشباب الشيعة في لبنان من أفضل الشبان، حيث عملت معهم على المحور الايديولوجي لمدة عامين، وهو النشاط الذي تفتق عن تأسيس "حركة المحرومين" فيما بعد. أي أن هؤلاء الشباب كانوا هم العمود الفقري لحركة المحرومين الكبرى. وقد نظمت حركة المحرومين عدة تظاهرات واسعة، ومنها تظاهرات بعلبك التي شارك فيها خمسة وسبعون ألف شاب مسلح، وكذلك تظاهرات مدينة صور التي شارك فيها مائة وخمسون ألف مسلح، وأقسم فيها الشيعة اللبنانيون على مواصلة طريق الجهاد من أجل إحقاق حقوقهم المسلوبة حتى آخر قطرة من دمائهم. وهذا هو أحد نماذج النشاط السياسي لحركة المحرومين. وعندما تفجر الصراع في لبنان، وامتلأت الساحة بالمسلمين من شتى الاتجاهات، ولم يكن بوسع أية طائفة سوى التسلح حفاظاً على البقاء، فإن حركة المحرومين أقدمت على تشكيل حركة عسكرية باسم "أمل" التي كانت في الواقع هي الفرع العسكري لحركة المحرومين. وكنّا قد انتقينا أعضاء حركة أمل من بين أفضل الأشخاص كفاءة وتديناً من المتخرجين في دورة إعداد الكوادر. واستطيع أن أقول حقاً بان شباب حركة أمل هم الذين تعرف معظمهم الإسلام الصحيح وانطلقوا في جهادهم على هذا الأساس".

عاد الشهيد شمران الي إيران فعُيّن وزيراً للدفاع باقتراح من مجلس الثورة وأمر من الإمام الخميني (قده)، وذلك بتاريخ 16/8/1358. وكان أول شخص غير عسكري يتولى هذا المنصب.



وبعد تسلمه للمنصب الجديد، انخرط الشهيد شمران في إعداد سلسلة من البرامج الواسعة والتأسية أملاً في تبديل الجيش إلى مؤسسة ثورية متطورة. ومن أبرز تلك البرامج تنقية الجيش بناءً على أسس منطقية وصحيحة، وإقرار العلاقات العادلة والحميمة والقلبية القائمة على الترتيب والنظام، وصب الاهتمام على الصناعات والأبحاث الدفاعية ودفعها إلى الحركة والحيوية. وكان الاهتمام الخاص الذي يوليه الإمام الخميني (قده) والشعب للشهيد شمران فضلاً عن منصبه الرفيع وقدرته وكفاءته سبباً في إثارة التحركات الغامضة والمشبوهة الرامية إلى المساس بشخصيته الناصعة.

وباتت هذه الهجمات العدائية التي كانت تُشن ضده على صورة دعايات صحافية من الشدة بحيث أثرت حتى على بعض أصدقائه الجهلاء والتجمعات الإسلامية غير الواعية فراحوا يكررون هم أيضاً نفس هذه التهم والأكاذيب ببلادة تامة. وكان هؤلاء قد بدأوا حملتهم من لبنان وجعلوا من حادثة "تل الزعتر" مقمعة ينهالون بها على رأس كل من يدافع عنه. والمثير للدهشة أن غالبيتهم لم يكونوا يعرفون شيئاً عن تل الزعتر ولا عن حقيقة الامر. ثم ما لبثوا أن توسلوا بحادثة "قارنا" وتسليح اقطاعيي كردستان؛ وكانوا قد خططوا لترويج كل هذا الأكاذيب في كل مكان بحيث لا يجسر أحد على الاقتراب من مواقع الأزمة وإسداء النصح. كما أن بعض التنظيمات على غرار "پيكار" كانوا ينوون اغتياله ولكنهم فشلوا في مسعاهم.


استشهد إيرج رستمي قائد منطقة دهلاوية  فشعر الشهيد شمران بالألم المفجع جراء ذلك، ولكنه اختار قائداً آخر ليحل محل الشهيد رستمي في جبهة دهلاوية.

وكان الشهيد شمران قد وجه عدداً من الوصايا التي لا سابق لها إلى زملائه في آخر اجتماع لمقر الحروب غير المنظمة قبل رحيله إلى دهلاوية بليلة واحدة. ويقال إن الجميع كانوا يودّعونه لدى خروجه ثم شيعوه إلى مرمى البصر بعيون مغرورقة بالدموع.

وتحرك الشهيد شمران نحو سوسنگر، والتقى في الطريق بالمرحوم آية الله إشراقي والجنرال الشهيد فلاحي، فقبل أحدهم الآخر للمرة الأخيرة، ثم واصل طريقه حتى بلغ مذبح العشق. وكان كافة المقاتلين قد اجتمعوا في قناة خلف دهلاوية، فعزّاهم وبارك لهم استشهاد قائدهم إيرج رستمي، ثم قال لهم بصوت محزون ومختنق ونظرة عميقة سابحة في الضياء:

"لقد أحب الله رستمي فأخذه إليه، وسيأخذني إليه أيضاً إذا ما كان يحبني".


وانتهى كلامه؛ ثم ودع كافة المقاتلين وقبل ما بين أعينهم بعد أن قدم القائد الجديد لرفقاء الجهاد، ووقف على الخط الأمامي للجبهة عند أقرب نقطة للعدو خلف ساتر ترابي، وحذر المقاتلين بصفته قائداً محنّكاً يدرك القضايا والأمور المهمة في حينها بألاّ يتقدموا عن هذه النقطة لأن العدو يُرى بالعين المجردة، ولاشك أن العدو قد رآهم أيضاً. وانهمر سيل القذائف؛ وبينما كان يوجه إليهم أوامره بالتفرق وكان هو أيضاً متجهاً إلى أحد الملاجئ أصابته شظية في رأسه من الخلف، فارتفع صياح المحيطين به ممن شاهدوا ما حدث، وأوصلوه بسرعة إلى سيارة الاسعاف؛ وكان وجهه الملكوتي المبتسم بملامحه الواثقة والمخضب بالدم والتراب يتحدث إليهم بعمق، رغم أنّه لم ينبس ببنت شفة ولم ينظر إلى أحد.



وفي مستشفى سوسنگرد، الذي سمي فيما بعد بمستفى الشهيد شمران، قدمت له الاسعافات الأولية ثم اتجهت سيارة الاسعاف نحو الأهواز. وللأسف فإن جسده فقط هو الذي وصل إلى أهواز، بينما كانت روحه تحلّق في الملكوت الأعلى بكفنه المدمّى، الذي كان لباسه في القتال، ملبيةً نداء ربها {ارجعي إلى ربك راضية مرضية}.


من أروع ما قرأت من رثاء ونعي ومناجاة ،، ليخبره كيف جاء إلى لبنان وترك الغربة والعز ليعيش بين المحرومين المجاهدين الكادّين ..

أترككم مع
خطاب الدكتور مصطفى شمران أثناء دفن المجاهد الشهيد علي شريعتي



يا علي !
ظننت دائماً أنك سوف ترثيني على موتى ، وكم أنا متأثر أنى من أرثيك الآن!
ياعلي !
جئت لأنوح على حالنا المحزن ، فأنت أسمى ؛ أن تكون فى حاجة إلى بكائنا وتوسلنا.
ياعلي !
حينما عرفـتك ، وفتحت صحراءك ، واطلعت على اعماق روحك وقلبك ، وفيه ادركت شعورك الدفين – فقبله كنت أرى نفسي وحيدا ـ حتى أنى كنت اخجل من مشاعرى وافكارى .
وأحيانا على غير سجيتى كنت اخجل ، لكن حينما تعرفت عليك ابتعدت كل البعد عن الوحدة ، وصرت معك جليسا ومسرا.
ياعلي !
أنت عرفتنى بنفسي ، فكنت غريبا عنها ، فلم اكن ادرك كل جوانب جوهرى وروحى ، فأنت فتحت نافذة تجاهى ، وحملتنى على رؤية هذا البوستان المدهش ، وأظهرت لى قبائحه ومحاسنه.
ياعلي !
ربما تعجب لو اخبرتك : أن خلال الاسبوع الماض ، قد ذهبت لساحة معركة " بنت جبيل " ، وقضيت عدة أيام بمعاقل تل مسعود الأمامية ؛ بين مقاتلى حركة امل ، وحملت معى كتابا واحد ؛ كان كتابك ( الصحراء ) ، صحراء غنية بعالم الفكر والفيض ، صحراء رفعتنى الى السموات ، وواصلتنى بالازل والابد ، صحراء سمعت فيها نداء العدم ؛ فارتحت من وطأة وزخم الوجود ، فحلقت الى ملكوت السموات ، ووصلت لدرجة الوحدة والاتحاد فى عالم الوحدة.
صحراء أذابت جوهر وجودى ووضعتنى عاريا امام شمس الحقيقة المحرقة، وحرقت جميع الاكاذيب والزيف دخانا ، وعرضتنى فى مدبح العشق ، قرباناً لرب الكون .
ياعلي !
أذهب برفقتك للصحراء ، صحراء الوحدة ، تحت نار العشق المحرقة ، فى اعصار التاريخ الرهيب ، فأمواج الظلم والعسف فى بحر الحرمان والعذاب الـ غير منتهى تعصف بــهيكل سفينة حياتنا ووجودنا المتهدم .
ياعلي !
اذهب برفقتك للحج ، فافنى بين النشوة والشوق ، ويرتعد جسدى امام العظمة والجلال.
وأرى الله من نافذة عينك ، واحلق برفقة روحك العالية ؛ لأصل الى درجة الوحدة مع الله .
ياعلى !
انزل برفقتك الى قلب التاريخ ، فاتعلم طريقة ورسم العشق ، وأتمرس قدراً من العشق عند على العظيم ، حتى احترق من الرأس لأخمص القدم .
ياعلي !
اذهب برفقتك لرؤية حجرة فاطمة الصغيرة ، حجرة بالرغم من كل صغرها وبساطتها هى اعظم من الدنيا وكل التاريخ .
حجرة لها باب بمسجد النبى ، والنبى الاعظم قد باركها بنبوته ، حجرة صغيرة حوت فيها بمكان واحد : على وفاطمة وزينب وحسين .
حجرة صغيرة هى مظهر للعشق والفداء والايمان والاستقامة والشهادة .
حقا كم مثير للقلب ، انك اشرت هناك لفاطمة الصغيرة ، فهى تلاطف وجه ابيها العظيم الملطخ بالتراب بأيديها الصغيرة جداً ، فيحتضنها ويعليها.
ياعلي !
انت عرفتنى بابي ذر الغفارى ، واشرت الى مواجهات له بلارحمة ولاهوادة ضد الظلم والعسف ، فاظهرت شجاعته وصراحته وتقواه وايمانه ، وكم جميل انك صورت هذا الرجل العجوز حديدى الارادة .
فحينما اخذ بيده قطعة عظم وفركها على رأس ابن كعب ، وقطر الدم بالطريق ، فأننى اسمع صرخة صياح ابى ذر من حلقومك ، وأرى غضبه فى برق عيونك ، وأدرك صحراء " الربذة " المحترقة فى حرقتك واشتعالك ، فابو ذر بطل ملقى على رمال الحارة ، ويرحـل ويموت فى وحدة وفقر.
ياعلي !
انهض بصيحة غضبك الى حرب الاستعمار والاستبداد والاستحمار ، وافتح برفقتك التاريخ والعـن الفراعنة والقارونية والبلاعمة.
ياعلي !
انهض برفقتك فى طريق الله العظيم ؛ للجهاد والمجاهدة ، واتجهز باسلحة الشهادة.
ياعلى !
انت فى الدنيا المعاصرة ، دخلت فى حرب مع الشياطين والطواغيت ، وعارضت الذهب والزور والتزوير ، وصرت فى مواجهة مع ادعياء الدين ، وفى عداء المتغربين و تزوير التاريخ و خدعة العلم و سحر الفن .
فكل أولائك حاربوا ضدك ، لكنك بمعجزة الحق والايمان بالله وبتحمل وصبر البحر، وبثبات الجبل وبنصر الشهادة نهضت لمبارزة ارباب الذهب والظلم والتحريف ؛ فهزمت الجميع.
ياعلي !
متدينى التعصب والجهل ، طحنوك وحاربوك بحربة التفكير ، ولم يترفعوا أو يتهاونوا عن اية عداوة وإتهام ، المتغربون ايضا الذين سموا انفسهم بالباطل مفكرين ؛ اهانوك واتهموك بالرجعية .
ونظام الشاه أيضا لم يستطع تحمل وجودك ؛ رأى تنويرك ضد مصالحه ؛ فقيدك بالسلاسل وفى نهاية الأمر استشهدت.
- أحد الماركسيين المتشبهين بالثورية – قال فى جمع من اصدقاءه باوروبا : " إن الدكتورعلى شريعتى قد اخـر ثورة ايران الشيوعية 70 عام " وانا اقول أن الدكتور على شريعتى قدم مسيرة النضال التكاملية فى طريق الحق والعدالة 70 عام للامام .
يا علي !
انت اصبت مجتمع ايران بهزة ، فاظهرت للناس التشيع الحقيقى ، و اذقت لذة الشهادة لشيعة الحسين ، وحطمت صنم الجمود والتعصب والصمت ؛ فانت " بمثابة " تغيــــرعميق وواسع ظهر فى عصره ، فانت عزلت رب الذهب والظلم " عن عرشه " ، ودفعت الناس للمواجهة ضد هؤلاء.
انت مزقت قيود الاسـر الملتفة بالجهل والخداع والتحريف على يد وقدم الثورة الحسينية.
انت صرت صيحة ؛ صعدت باسم الاحتجاج من صدور المحرومين المتآوهين والمعذبين.
فدويت واعليت نداء وصيحة الحق والعدالة فى السماء والأرض.
ياعلي !
انت اظهرت مفهوم الاسلام الحقيقى فى معركة الحياة ، واثبت أفضليته بلاجدال فيه على المدارس الفكرية الاخرى . فانت عرفت بـاصالة الاسلام الثورية من تحت احجبة الجهل والالتزام الدينى ، وعرفت بالمسؤولية الاجتماعية.
وبينت معجزة الشهادة ، وحررت الانسان من تحت عبء اسر الجبر ، ومذلة الاستسلام .
انت حملت راية الرسالة العظمى على العاتق ، رسالة الانسانية ، الحق والعدالة ، الصراع مع الظلم والقهر ، الاسلام الحقيقى والتشيع الحسينى ، وآلاف المؤمنين الملتزمين والمسئولين التفوا حول رايتك.
وتصدوا لحرب بلاهوادة ، بعضهم انتشى شراب الشهادة ، واالبعض الاخر فى انتظار الشهادة يفتدون ويضحون .
ياعلي !
فى سجن ايران الكبير ، ليس هناك امكانية التنفس للاحرار ، وانت فتحت طاقة من الروح والايمان صوب عالم النجاة والحرية ؛ حتى يهرب الانسان من سجن المادة لقوة الروح ، وبيد الصراخ يمزق الحجاب المضطرب . ويحترق بنار العشق المحرقة جميع الكادحين والمحبطين والمهضومين والمحرومين والمفجوعين. وبحربة الشهادة تتمزق جميع قيود الاسر والمذلة الى الابد.
ياعلي !
فى تاريخ ايران المعاصر ؛ انت جمعت مصدق العظيم مع الخمينى رفيع المقام ، ومزجت بصيرة السياسي بروح العابد ، جهزت ثقافة تاريخنا القومى الثرى بعلم جديد وباساليب حديثة ، وبرأت الله سبحانه من الفلسفة الجافة ، واحضرته من السموات العالية والباردة الى القلب الدافئ والملئ بالحمى والتوهج. واخرجت الدين من عزلة المسجد. واستعملته فى ساحة الحياة لخدمة الناس . وابدا لم تضحى بمصلحة الحقيقة.
ياعلي !
يا مبعوث الحزن ، يابحر الالم ، لتتنزل رحمة الله الواسعة عليك سلاما.
فاننى اعتقد ان مقياس شخصية البشر بمقياس حزنهم وآلمهم ، واحسب ان الله العظيم يرحم عباده المخلصين والمتقين ، ويكافئهم بدلاً عن بحر الحزن وجبل الغم .
ياعلي !
اننى : انطحنت تحت جبل من الغم ، وغرقت فى بحر من الحزن ، وصبرى وصل الى النهاية ؛ لكنك اوصلت حزنى والمى بحزن والم علي الأكبر ، وهكذا اتصلت بما لايطاق ولا يتحمل ، فشعرت بالراحة والسكينة.
ياعلي !
اننى : احببت على الاكبر حبا فاق كل حد ، وحتى لو كان يجوزعشق غير ذات الله ، لكنت عشقته ، ولكن هذه المحبة كانت صامتة وخفية ، و نشأت من نسيج وذر وجودى ، ولكن لم اكن اعرف دليل نفسه ، لكنك عرفتنى بعلى ؛ فلم تطلعنى فقط بسيفه ذوالفقار وكلامه الحارق ؛ بل اطلعتنى بعشقه المشتعل ، وباحزانه والامه ووحدته وصبره ..

اننى تلذذت بالامس من " قوة " بتر سيف علي ، وكنت ادرك عظمته فى قدرته وكلامه ؛ لكن اليوم أشاهد عظمته فى عشقه وايمانه ، وفى عرفانه ووحدته ، وفى جبال حزنه وغمه ، وفى بحار آلامه . حينما قلبه المتألم يغلى ويفور ، و يبكى غزير الدمع.
فأنا اقرب للشعور بحاله اكثر من اى قياس . فمهما يتهمونه اكثر ، ومهما يسبون على اكثر ، ومهما يعذبون شيعته اشد واكثر ، فمحبتى واحترامى لعلى اشد واحر واعمق .
ياعلي !
انت عرفتنا بالحسين ، وعلمتنا رمز الشهادة ، و بينت ان من ادم حتى الحسين ، دائما كان الانسان يهدى رب الكون افضل نتاج عالم الخلق ؛ بعادة الفداء والقربان.
واثبت واظهرت ان الحسين وارث جميع البشرية السابقة ، ومظهر جميع تضحيات التاريخ ، وانه نتيجة مسيرة تكامل جميع البشرية ، و اجمل وافضل واهم هدية قدمها الانسان لرب الكون .
وسعدت ان رداء مصيره قد حيك رداءً بالحزن والالم ، وقد اشبع بالدمع والدم ، ولمصيبة وفاجعة الزمان التى أصابت شيعة لبنان المظلومين والمهضومين – افترش على بساط الوجود - ثم اجمع فيه عذابات وآلام معذبى التاريخ ،وفى نفس الحين احضر على شريعتى للشفاعة ؛ لتنفتح طاقة بحجرة فاطمة الصغيرة ، فيتمزج هذا الوادى " لبنان الجريح أثناء الحرب مع اسرائيل " الملطخ بالدماء والدمع ؛ بالرسالة المحمدية ، ويمتزج بعشق وفداء والم وحزن ووحدة على ، ويمتزج شهادة الحسين. ، وببركة هذه الحجرة الصغيرة ؛ التى هى اعظم من كل التاريخ وكل العالم ؛ يقبل الله العظيم أضاحينا ، ولايضيع هباءً فدائينا فى تحقيق العدل والعدالة.، ونصمد فى هذا الطريق الحسينى ؛ ويظهر حزننا والامنا ودموعنا وحرماننا ووحدتنا ودماءنا ؛ متاع لطريقنا الصعب والخطر فى مسيرة ارتقاء الانسان نحو الله تعالى .
وانت ياربنا العظيم ، منحتنا على حتى يعلمنا طريق وطريقة العشق والفداء ، كشمعة تحترق لتنير طريقنا ، وهانحن ، نقدمه لك ؛ باسم افضل واثمن هدايانا ، ليستريح فى ملكوتك الاعلى ، وتبدأ حياته الخالدة .
ياعلي !
قد وجدت حياة الخلود ، ونحن كنا نتحرك امواتا ، حتى نجد الحياة من فيض وجودك.
فبحق الحزن ؛ الذى ردحا من الزمان سيلاطم موج بحر الحزن فيه على قلبى ؛ انت ياعلى حى وخالد فى قلبى .
وبحق العشق الذى كثيرا ما سيحرق ويفجر ويفور قلبى المشتعل ، انت ياعلى تحيا فى قلبى ، وتجرى وله وجذبة العشق السماوى فى شرايين وجودى ، وتحيي حياتى من العشق والفداء .
وبحق الوحدة التى هى نتاج العظمة والعشق والتفرد ، ومولود اللطافة والاخلاص والعرفان - فطالما الله واحد ، فانت ياعلى موجود فى وحدتنا.
وبحق الجمال ، طالما يوجد الاحساس واللطف والذوق لعشق الجمال - الذى هو تجلى الله الاعلى ، انت ياعلى لديك حضور فى جمال النجوم ، وعظمة السماء ، وخفقان الاوراق ، وتسبيح الصخور، وايات الغروب العجيبة ، وعظمة وهيبة الشروق .
وبحق آنين المتألمين وآهات الفقراء ، ودمع اليتماء ، فطالما للاستعمار والاستبداد والاستغلال وجود. ، فانت ياعلى حى فى غضبة وصيحة المسلوبين والمحرومين.
وبحق العدل والعدالة ، فانت تزأر وتثور فى صراخ المظلومين ضد الظالمين ؛ طالما الظلم والقهر يثقل على عاتق البشرية.
وبحق الشهادة ، طالما الشهداء يضحون ، ويقدمون حياتهم ووجودهم فداء فى مذبح العشق ، انت ياعلى شاهد وشهيد على شهادتهم الزكية.


الفاتحة لروحه الطاهرة



0 comments:

Post a Comment