Sunday, September 23, 2012

الحرب النفسية : سبل المواجهة

بسم الله قاصم الجبارين
بسم الله ناصر المستضعفين
بــســم الله مـذل المستـکبـريـن




سماحة السيّد حسن نصر الله


كيف نواجه الحرب النفسية التي يشنّها العدوعلينا، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى بثِّ الرعب في الفريق الآخر وإخافته ما يؤدِّي إلى استسلامه أو انسحابه؟‏
نحن في لبنان وفلسطين وفي أمَّتنا عموماً نحتاج إلى مواجهة الحرب النفسية التي يشنّها العدو علينا كما نواجه الحرب العسكرية. أن نواجه الحرب النفسية بأدوات ووسائل وأساليب مشابهة ومبتكرة وأحياناً تكون منسجمة معقيمنا وثقافتنا وأخلاقنا وضوابطنا الشرعية.


الحرب النفسية المضادة‏


في مواجهة الحرب النفسية هدفنا الأول هو تثبيت إرادة وقوة وقدرة شعوبنا وأهلنا من خلال منع الحرب النفسية التي يشنها العدو منتحقيق أهدافها، وفي المقابل نتولَّى الحرب النفسية المضادة على العدو ومؤسساته الأمنية والعسكرية وعلى كيانه ومجتمعه أيضاً لنقلب فيها السحر على الساحر؛ وهذا أمرطبيعي، فالله سبحـانه وتعالى يأمر المؤمنين بـأن يعـــدّوا العـدّة، {وَأَعِدُّواْلَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِعَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال:60). وكما يعمل هذا العدو على إخافتنا وإرعابنا يجب أن نعمل في المقابل على إخافته وإرعابه وإقناع مجتمعه بضعفه وعلى إيجاد الشك والترديد تجاه جيشه وقيادته.‏
في حرب تموز عام 2006 (وخلال 33 يوماً), هجرالمستعمرات والمستوطنات والمدن في شمال فلسطين المحتلة وبعض الوسط أكثر من مليوني إسرائيلي وعاشوا في الملاجئ أو خارج بيوتهم ومنازلهم. وهذا لا سابقة له في تاريخ الحروب الإسرائيلية-العربية. خلال ثلاثة وثلاثين يوماً شاهد الإسرائيليون بأمِّ العين الدبابات المدمَّرة والجنود المقتولين، والعائدين في مظهر محزن ومبكٍ. في نهاية المطاف تراجعت ثقة الشعب الإسرائيلي بقيادته السياسية، بمؤسَّسته العسكرية وبجيشه وتعرَّضت لانتكاسة كبيرة جداً.‏




المدرسة الإلهية‏


إنَّ الحرب النفسية اليوم باتت علماً واختصاصاً يدرّس في الكليات والجامعات, لكن المقاومة لم تدرسها خلال كلِّ السنوات الماضية فيأي جامعة أو كلية، بل كانت تشنُّ حربها النفسية الإعلامية ببركة التعليم والتسديد الإلهي. فالله وعد المجاهدين بأن يعلّمهم ويسدّدهم وأن يهديهم سبله, وكان ذلك أيضاً نتيجة العودة إلى إيماننا، وإلى قرآننا، وإلى معتقداتنا التي تعلّمنا منها الكثيرالكثير والتي نستطيع أن نواجه بها أعتى الحروب النفسية طوال التاريخ.‏
ما يدرّس في الجامعات وفي الكليات هو غالباً يعتمد على مدرسة الماديين الذين يتحدَّثون عن وسائل وأدوات في مواجهة الحرب النفسية من سنخ الحرب التي يشنها العدو, وهذا الذي كان سائداً بين أكبر معسكرين في العالم في الآونة الأخيرة, المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والمعسكرالشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي سابقاً.‏
التجربة الإسلامية، وتجربة الثورة الإسلامية في إيران بقيادة سماحة الإمام الخميني {قد}، والصحوة الإسلامية والحركات الإسلامية في المنطقة أعادت إحياء نوع آخر من الحرب النفسية لا يستند إلى المدرسة المادية وإنَّما يستند إلى المدرسة الإلهية, إلى المدرسة القرآنية. هذه التجربة كانت هي الأنفع والأقوى والأجدى. انطلاقاً من هذا الفهم وبناء على هذه الخلفية, هناك مجموعة من العناوين نركز على ثلاثة منها:‏

1-الإيمان بالله و التوکل علیه
نحن نؤمن بأنَّ الله سبحانه وتعالى موجود وقادروبيده ملكوت السماوات والأرض، وهو على كلِّ شيء قدير وبأنَّه سبحانه وتعالى ليس حيادياً بل نعتقد أنَّ كلَّ ما يجري في هذا الوجود حتى أبسط الأمور وأصغر الأشياء إنَّما هو خاضع ومتحقِّق بمشيئة الله سبحانه وتعالى {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنيَشَاء اللَّهُ} (الإنسان:30), وأنَّ الله سبحانه وتعالى فعّال رزّاق هو الذي يميت ويحيي وهو الذي يحفظ هذا الوجود: السماوات والأرض لو تركها الله سبحانه وتعالى لانعدمت وانهارت...
لذا فنحن نستعين ونستغيث حتى يثبتنا ويقوينا.‏


2-البصيرة
وهذا العنوان أشار إليه سماحة السيد القائد(دام ظله)، ويقصد به أنَّ على النخب والخواص, الناس والشعوب والمثقفين, والمجاهدين الكبار والصغار, أن يكونوا أهل بصيرة. البصر ما يراه الإنسان بالعين, والبصيرة هيقدرة العقل والقلب والروح على الرؤية ومعرفة الحقيقة, ومن جملة عناوين البصيرة أنيكون لدينا معرفة بزماننا وعصرنا، المعرفة بالعدو والصديق حتى لا يشتبه علينا العدو ولا الصديق, فلا نقاتل الصديق ولا نتجاهل العدو بل نستعين بالصديق في مواجهة العدو, فهذا من البصيرة, ومنها أيضاً أن نعرف نقاط ضعفنا وقوتنا, فنعمل على إبراز نقاطقوتنا لشعوبنا ولعدونا, لشعوبنا حتَى تثق، ولعدونا حتى ييأس من النيل منا، ومعرفة نقاط ضعفنا لنعالجها وننتهي منها. أيضاً أن نعرف ما نريد وكيف نصل إلى ما نريد، وأيضاً أن نعرف أهداف عدوّنا لنعطّل مخطّطاته ومؤامراته، فهذا أيضاً من البصيرة, ولذلك أهم شيء أن يكون، لدى أي شعب من الشعوب وخصوصاً لدى الشعوب المؤمنة، أن يكون لديها بصيرة, ليس فقط على مستوى القيادات, بل القيادات والعلماء والنخب وعامة الناس أيضاً. الإسرائيلي كان يقول إنه «يخوض حرب كيّ الوعي لدى العرب والمسلمين». في المقابل المقاومة جاءت لتخوض حرب كي الوعي لدى مجتمع العدو وقادة العدو وجيش العدو. إذاً من كانت بصيرته معه وكان إيمانه ويقينه معه لا يتزلزل, وهو أمر مغاير لموضوع التثبيت الإلهي والعون الإلهي. عندما يوجد أناس لديهم إيمان ووعي ومعرفة وبصيرة فليقل الأعداء ما يريدون وليكذِّبوا ما يشاؤون فهم لن يستطيعوا أن يمسّوا إرادةوعزيمة أهل البصائر والمعرفة والوعي.‏

3-التثبت
هو من الاحتياطات التي أتى بها الإسلام. فبالإضافة إلى اللجوء إلى الله والى أن نكون من أهل البصيرة دعانا أيضاً إلى أننكون من أهل التثبّت. فبعدما تكلمنا عن موضوع إيجاد الشك والارتباك والترديد, جاء نوع من الحصانة، الله سبحانه وتعالى يقول {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍفَتَبَيَّنُوا} (الحجرات:6). الفاسق ليس فقط الإنسان الذي ينقل خبراً, بل هناك أيضاًوسيلة إعلام غير موثوقة ومعادية, فهذه أيضاً تأتينا بنبأ, وهذه الأنباء التي تأتينابها وسائل الإعلام لتخيفنا، تكبّر لنا العدو لكي تجعلنا نيأس أو لتمسّ رموزنا وقياداتنا وأفكارنا وثقافتنا وخياراتنا, كما تجرى محاولات التشويه الكثيرة لحركات المقاومة ولكثير من القيادات والرموز والعلماء والمراجع والجهات والقيادات السياسية في هذه الأمة من خلال ترويج شائعات وأكاذيب واتهامات. الله سبحانه وتعالى يقول تبيّنوا وتثبّتوا إن كان ما يقولونه صحيحاً أو لا, بالحد الأدنى أن نواجه كل مايقال ويستهدفنا بالشك فيما يقال لا بالشكّ فيما نؤمن وفيما نعتقد وفيما نعرف.‏




تجربة تموز... الامتحان العملي‏
في حرب تموز, عشنا كلّ ما تكلمنا عنه في التجربة وليس فقط في النظريات. في تجربة لبنان خاض الإسرائيلي حرباً نفسية لمدة سبعة وعشرين عاماً ضد هذه المقاومة ومجتمعها وأهلها وشعبها. لم يترك شيئاً للنيل من إرادتهم وعزمهم وإيمانهم وثقتهم. وكل ما يمكن القيام به في إطار الحرب النفسية طبّقوه في حرب تموز. لكن في المقابل ماذا كان المشهد؟ هل وجدنا وشهدنا هروباً للمجاهدين من ساحات المعركة؟ أبداً فقد قال الإسرائيليون أنفسهم إنهم في بنت جبيل حاصروا المدينة وفتحوا باباً لكي يهرب المقاتلون منه فتحوّل هذا الباب إلى مدد للمقاتلين. هناك بعض القراءات العسكرية تقول إنَّ حجم استخدام سلاح الجو والقص فالجوي والنيران التي ألقاها سلاح الجو خلال 33 يوماً على هذه البقعة الصغيرة من لبنان يفوق ما استخدمه سلاح الجو من طائرات ومن نار في بعض الحروب الكبيرة, لكن المؤمنين والمجاهدين لم يخافوا، ولم يتزعزعوا وبقوا في الأرض يقاتلون ليس في القرى الخلفية, بل في القرى الحدودية. هذا كان حال المجاهدين في الجنوب والبقاع وفي كل المناطق التي تعرضت للقصف وللمواجهة والانزالات, أما بالنسبة للناس, فكم مرة جاء توسائل الإعلام لتأخذ من الناس المهجّرين موقفاً أو كلمة تثبّط العزائم أو تمسّمعنويات المقاومين ولم يتمكنّوا؟ خلال 33 يوماً كان الناس المهجَّرون يشاهدون على التلفاز أن بيوتهم تهدّم، وهم لا يعرفون إذا ما رجعوا إلى قراهم هل ستكون بيوتهم موجودة أم مهدومة, وهل أن أبناءهم أحياء أم شهداء ومع ذلك لم يتكلموا بكلمة تمس بمعنويات المقاومة, أليس شيئاً عظيماً, هذا الثبات والطمأنينة والسكينة؟‏
خلال ثلاثة وثلاثين يوماً كان المجاهدون ينامون تحت النار، الله كان ينزل عليهم النعاس أمنة. في حرب تموز كما في كل المواجهات التي سبقت عملنا بالبند الأول, لجأنا إلى الله, استغثنا به تعالى فثبّت قلوبنا وأنزل علينا النعاس والسكينة والطمأنينة وفي المقابل ألقى الرعب في قلوب أعدائنا. أربعون ألف ضابط وجندي يمشون في أرضنا وهم يتعثرون مع دباباتهم ومروحياتهم وطائرات استطلاعهم, ولم يقدروا على أن يحققوا أي انجاز, وكنا نشهد الرعب في وجوههم والارتباك لدى ضباطهم وقياداتهم, من الذي فعل ذلك؟ الله سبحانه وتعالى هو الذي فعل ذلك, ولذلك عندما نذهب إلى ما يهددوننا به في مستقبل الأيام أو السنين القادمة, نقول إننا من خلال هذه التجربة, من خلال هذا الإيمان وهذه المعرفة وهذا الاعتقاد الإلهي النبوي والقرآني, سنواجه كل أشكال الحروب النفسية التي واجهناها في السابق وانتصرنا فيها وهكذا سيكون حالنا إن شاء الله كأصحاب الحسين, الذين لم يُخِفهم عشرات الآلاف من الذين كانوا يحيطون بهم, فلم ينهزموا ولم يترددوا ولم ينسحبوا ولميهربوا.


Sunday, September 2, 2012

قصه أوصى السيد حسن نصر الله بنشرها

بدا نهر مليخ كقطعة من الزجاج بعد أن تجمّدت مياهه. عند الشفق كانت ثلاث مجموعات من المقاومة تستعد للعبور بمحاذاته باتجاه موقع بئر كلاب.إجتازت المجموعة الأولى المؤلّفة من عشرة أفراد بسلام و المجموعة الثانية مؤلفة من عشرة أيضاً وفيما كانت المجموعة الثالثة المؤلفة من عشرة آخرين تمرّ بجانب النّهر فقام شاب من المقاومة بالصعود على حائط من الحجارة فسقط الحائط كشفتها آلة العدو.فأطلقت أول قذيفة إخترقت جسد الشاب فسقط نصف جسده في النهر الشتوي المار في الوادي و أصبحوا تحت مرمى نيرانه.
 تعرّض المجاهدون لقصف عنيف. و مع إكتمال المغيب كانت أجساد الشهداء مطروحة فوق الثرى و أنّات الجرحى تتردّد في الأجواء.
أصيب أبو حسن إصابة لم تمنعه من تفقد ر فاقه واحداً واحداً .كميل,جواد,حبيب,حسين..كلّهم كانوا قد استشهدوا و فارقوا هذا العالم . بعيداً عن النّهر رأى عماد.. .صديقه الذي تزوّج منذ عشر سنوات و لم يرزق حتّى تلك اللحظة بولد.اقترب ابو حسن منه وكان لا يزال به رمق من حياة. فبادره عماد قائلاً :"قل لزوجتي :عماد لم يمت, بل لا زلت في أحشائها ". و كانت هذه آخر كلماته.
كان أبو حسن مثخناً بالجراح . وقد بدأ يشعر بالإعياء .لكنّه صمّم أن يتفقّد الجميع فربما ينقذ أحدهم . التفت ناحية النّهر الأخرى فأبصر أحمد!! لقد بترت ساقه و رغم أنّ الدّماء كانت تسيل من كلّ جرح فيه كان يزحف باتجاه إحدى الشجرات . وما إن وصل حتّى تشبّث بها و بدأ يتلو زيارة عاشوراء بصوت شجيّ. أنصت أبو حسن ...لم يسمع أروع من ذلك الصوت في حياته . كان أحمد فتى مدللاً لم يبلغ السابعة عشرة من عمره. لكنّه في تلك اللحظات كان ينزف بشدّة . وشعر على إثر ذلك بعطش بالغ . فطلب من أبي حسن أن يحضر له بعض الماء . و لكن من أين يأتي أخوه بالماء و كل ما حولهم متجمّد من شدّة الصقيع ؟ ازداد إعياء أحمد حتّى أغمي عليه. لكنّه سرعان ما استفاق و شرع يقرأ زيارة آل ياسين .
في هذه الأثناء أقبل نحوهما ضبع فاحتار أبو حسن وخشي إن هو أطلق النّار عليه أن يكشف أمرهم فيجهز الصهاينة على من تبقى حيّاً فيهم. و في المقابل ماذا لو ترك الضبع و شأنه فأقدم في نهش أجساد الشهداء؟؟!!..في غمرة حيرته شاهد منظراً أثار عجبه . راح الضبع ينتقل بين الشهداء و يتمرّغ بأجسادهم و يتمسّح بدمائهم و وبدا أن الدموع تنهمر من مقلتيه.
تيقّن أبو حسن أنّه لم يعد من أحد على قيد الحياة باستثنائه هو و أحمد فحمله على ظهره رغم جراحه و تعبه و توجّه إلى بيت مهجور كان يعلم بوجوده مسبقاً في تلك المنطقة . عندما دخل إلى المنزل كان التّعب قد أخذ منه كلّ مأخذ فأغمي عليه . و إذ به يستفيق بعد مدّة على صوت أحمد و قد غرقت عيناه بالعبرات و ابتلّت و جنتاه و كان يردّد باكياً: إني أراهم ... ها هم آتون لاصطحابي . ثم و على الرّغم من بتر ساقه وقف قرب الباب بمفرده و قال بصوت عال : السلام عليك يا أبا عبد الله.
كان واضحاً بالنسبة لأبي حسن أن أحمد يتكلّم مع أناس آخرين لم يتمكّن هو من رؤيتهم . تبسّم أحمد و تطلّع إلى أبي حسن : إنّهم الإمام الحسين و أبو الفضل العبّاس و السيدة زينب . وقد حمّلني الإمام الحسين رسالة عليك أن تبلّغها بدورك إلى شباب المقاومة ... قل لهم : إنّ الحسين و زينب و العبّاس معهم في كلّ عملية .
مضت السّاعات مسرعة و كان التّعب قد استبد بالشابين فأغمي عليهما مجدداً . استفاق أبو حسن و أدار طرفه ناحية أحمد , رآه لا يزال مستلقياً و يسلّم على إمام الزمان .
كانت نظراته ساهمة وصوته واهنا: " بعد لحظات سأرحل عن هذه الدّنيا شهيدا, و ستحدّث أنت بكل الذي جرى , ستخبر الأخيار عن فتية قضوا نحبهم محتسبين عند الله أجرهم , ولاحت لهم مقاماتهم كما لاحت لأصحاب الحسين في عاشوراء. فتيه فازوا بلقاء الله على ضفاف نهر مليخ . و ستنقل رسالة من الإمام المهدي(عج) لسماحة الأمين العام..."
توقّف أحمد قليلاً . كان وجهه يشعّ نوراً ... ثمّ أضاف:" أثناء عودتك ستضلّ الطريق لكن ثمّة دليل سيظهر و يرشدك حتّى مشارف القرية. هناك ستكون مجموعة من المقاومين بانتظارك و سينقلونك إلى المستشفى...." راح صوته يزداد تأثّراً . حاول أبو حسن أن يثنيه عن الكلام لكن أحمد أبى . و تابع و قد تغيّرت نبرته و بدت أكثر رقّة :"أوّل شخص ستشاهده في المستشفى هي أمّي. أبلغها سلامي . وقل لها أن لا تقلق لأن الزهراء(ع) ستتكفّل بها ".
ثمّ زفر أنفاسه الأخيرة... حينها أطلق أبو حسن صرخة مدويّة تردّد صداها في الوادي . هزّه بعنف :" أحمد .. أجبني.. أحمد.." ضمّ الجسد المسجّى إلى صدره ... وضع خدّه على خدِّه ... وراح يمسح جبينه ... مكث هناك للحظات يكفكف دموعه و يحبس آهاته... ثمّ قام يتلمّس طريق العودة.
 كان الليل قد أظلم و اختفت معالم المكان من حوله.. فضلاً عن الإعياء الذي ألمّ به. شعر كأنّه يسير في متاهة . أمسى يترقّب الدليل الذي أخبره عنه أحمد قبيل إستشهاده . فجأة لاح أمام ناظريه خيال ضبع.. إنّه الضّبع عينه الذي سبق ورآه ! أدرك أنّه هو الدّليل. فسار خلفه . و عندما وصل إلى مشارف القرية تلقّفته مجموعة من المجاهدين و مضوا به إلى المستشفى .
ما إن فتح عينيه ... شاهد في المستشفى امرأة تقف بالقرب من السرير ... كان وجهها مشرقاً.. و على الفور بادرته السؤال : ماذا أوصاك أحمد؟! دُهِش أبو حسن إذ لم يكن قصّ بعد ما حصل معه على أحد.
بعد أن تعافى نهض ليوصل بقية الرّسائل إلى أصحابها فزار في البدء زوجة الشهيد عماد..عندما التقى بها فيما بعد ... كانت تحمل بين يديها طفلها عماد الصغير.
ثم توجّه ليقابل سماحة السيد. استحوذت عليه هيبة اللقاء فلم يستطع أن يتطلّع إلى وجه الأمين العام الذي أنصت إلى حكاية أبي حسن دون أن يتوقّف سيل الدّموع من الجريان على خدّيه..لكنّه في كلّ مرّة تخون أبي حسن ذاكرته كان يتدخّل سماحة السيّد ليذكّره ببعض التفاصيل التي غابت عنه..كما لو كان حاضراً!!
لاحقاً تحقّق الذي أخبره به أحمد .. وكان من جملته مجموعة من المعلومات الأمنية و العسكرية استفادت منها المقاومة في عمليات لا حقة ضد الصهاينة .. ولا زال أبو حسن يحكي قصة التسعة من أصحابه الشهداء.. ويقول: ليتني استشهدت معهم... هم وصلوا, وكان عليّ أنا أن أبلّغ حكايتهم ووصيتهم... أسأل الله أن يجمعني بهم
الشهید محمد أحمد سرور - الشهيد سامي قبيسي - الشهید فؤاد خليفة  
 
الشهيد مازن المقدم - الشهيد علي يزبک - الشهيد حسن حلّاق


الشهيد حسين موسي - الشهيد جهاد کرکي - الشهيد حسين مرتضي


الشهيد سميح مشيک - الشهيد البطل أحـمـد يـزبـک

قصة شهداء عملية مليخ بصوت " أبو حسن " الشهيد الحي المبتقي منهم 

http://www.mediafire.com/?6ww5m4lwyamt3d5 

مسرحية أريج الشهادة